القمر ابن الارض

بالرغم من استحواذ المريخ على الجانب الأكبر من الشغف العالمي بالفضاء الخارجي، خلال العقد الماضي، إلا أن القمر لايزال جاذباً للاهتمام العلمي، بحثاً عن أسباب التشابه بين الأرض والقمر من حيث المكونات والعناصر الكيميائية.

الشهر الماضي، عرف العالم أحدث النظريات الباحثة عن سر نشأة وتكون القمر، بعد توصل عالمين من جامعة هارفارد الأمريكية، إلى نظرية جديدة، تدحض عدة نظريات أخرى أكثر قبولاً واستقراراً.

في دراستهما التي نشرتها دورية «ساينس» العلمية واسعة الانتشار، أشار العالمان سارة ستيوارت، وماتيغا ستوك، إلى أن القمر، كان يوماً جزءاً من الأرض، انفصل عنها بعد اصطدامها بجرم هائل في حجم المريخ، واعتمد الباحثان في دراستهما على تحليل 3 كميات من النظائر المستقرة للبوتاسيوم، في عينات صخرية للأرض والقمر، وأشارت المعطيات، إلى تساوي نسب تلك الذرات المتنوعة، ما يدل على وحدة المنشأ. ونقلت «ساينس» عن العالمان أن الأرض كانت تدور حول نفسها، أسرع كثيراً، في الوقت الذي تشكل فيه القمر، وكان زمن اليوم الواحد، ساعتين أو ثلاث ساعات، وبسبب هذه السرعة يعتقد أن اصطداماً عملاقاً بجرم سماوي هائل، تسبب في تطاير حطام من الأرض، وهو الحطام الذي تشكل منه القمر لاحقاً، بعد ملايين السنوات

وتشير النظرية الجديدة إلى أن الأرض وصلت بعد ذلك إلى معدل الدوران الحالي، بسبب تفاعل الجاذبية بين مدارها حول الشمس، ومدار القمر حول الأرض، وبرر العالمان احتواء العينات القمرية على كميات أكبر من نظير البوتاسيوم الثقيل، من العينات الأرضية، إلى أن ذلك يرجع إلى ظروف تشكل القمر، الذي ارتفع فيه الضغط عن المقادير الأرضية ب 10 أضعاف تقريباً.

وتدحض النظرية الجديدة التي تفترض أن القمر كان «ابناً» للأرض، النظريات الحالية السائدة التي تشير إلى أنه تكون من مواد انطلقت من جرم عملاق اصطدم بالأرض، أي أن القمر «ابن» الجرم السماوي الهائل، وليس الأرض.

وبالرغم من الاهتمام العلمي بالنظرية الجديدة لنشأة القمر، إلا أن مجلة «نيتشر» العلمية، نقلت آراء عدد آخر من العلماء غير المتحمسين للنظرية الجديدة، واتفقت أغلب آرائهم على أن ستيوارت وستوك، لم يجيبا في دراستهما عن أسئلة هامة مثل: ماهي أسباب دوران القمر في الاتجاه نفسه، مثل الأرض؟ وما سر كروية تشكله مثل الكواكب الأخرى، وعدم تشكله على هيئة كويكب، أو مذنب، إذا كان ناتجاً عن تجمع حطام جسم هائل ضخم؟ كما لم تقدم النظرية الحديثة، تفسيراً لسبب اختلاف لب القمر عن لب الأرض، من حيث مكوناته المعدنية، خاصة نقص عنصر أكسيد الحديد.

وكان أهم تساؤل اتفق عليه العلماء من تخصصات متعددة، في الفيزياء الفلكية، الجيولوجيا، والكيمياء الفضائية، أن النظرية الجديدة لم تقدم تفسيراً مقنعاً لاستمرار دوران الأرض في مدارها المعتاد نفسه، بعد تعرضها لاصطدام هائل، تسبب في خسارتها أجزاء من قشرتها الخارجية.

تستحق الالتفات

البروفيسور رينز أولسون، المتخصص بعلوم الأرض والكواكب، من جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، قال، إن النظرية الجديدة تستحق الالتفات والاهتمام والمناقشة، مشيراً إلى أن دراسات سابقة أجريت على عينات صخور جلبتها بعثة «أبولو 11»، أشارت إلى احتواء تربة القمر على معادن شبيهة بالأرض، مثل الحديد والسليكون وعناصر أخرى، وأكد أن القمر، يستحق مزيداً من الاهتمام العلمي، لتأثيره المباشر في كثير من الظواهر، التي تتعرض لها الأرض.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن نهاية خمسينات القرن الماضي، كانت بداية المنافسة الفضائية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، وكان محورها استكشاف القمر، فكانت الموجة الأولى للاستكشاف من عام 1958، إلى أغسطس/آب 1976، أطلق خلالها البلدان 45 جهازاً لاستكشاف القمر بنجاح، وفي عام 1969 صعدت مركبة الفضاء الأمريكية «أبولو» بالإنسان إلى القمر لأول مرة، وحقق استكشاف القمر نجاحاً عصرياً، حصلت بموجبه الدولتان على عينات وبيانات وتجارب، رفعت كثيراً من مستوى المعرفة بالقمر والأرض والنظام الشمسي، وعزز ابتكار وتطوير سلسلة من العلوم الأساسية والتكنولوجيا العلمية، وشكل مجموعة كبيرة من صناعات العلوم والتكنولوجيا العالية، وحقق عوائد اقتصادية واجتماعية واضحة، ومنذ عام 1977، وعلى أساس استكشاف القمر، أنشأت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق برامج أخرى لاستكشاف كواكب الزهرة والمريخ وزحل، على التوالي، وفي نهاية تسعينات القرن الماضي، وقعت الدول الرئيسية في مجال الفضاء خططاً لاستكشاف القمر، فارتفعت درجة الاهتمام بالكوكب من جديد، وفي عام 1995، قدمت الولايات المتحدة خطة جديدة وشاملة موجهة للقرن الحادي والعشرين، لاستكشاف القمر، وطرحت هيئة الفضاء الأوروبية عام 1994، خطة مفصلة للعودة إلى القمر من جديد، وإقامة قاعدة لإطلاق أول قمر صناعي له، وإقامة قاعدة للبحوث حوله تدريجياً عام 2003، ووضعت اليابان خطة منظمة لاستكشاف القمر، تضمنت خططاً لإطلاق أجهزة خاصة عامي 2003، و2004، تنتهي ببناء مركز مراقبة القمر عام 2015، ووضعت الهند خطتها الخاصة لاستكشاف القمر، ولم تنفذ أغلب هذه المشروعات الفضائية، إما بسبب صعوبات التمويل، أو لتحويل الاهتمام ناحية اكتشاف المريخ.
ويبقى مشروع الشبكة القمرية الدولية، الأكثر طموحاً اليوم، ويخطط لإقامة تدريجياً ما بين 6 إلى 8 محطات علمية ثابتة، أو محمولة على سطح القمر، ويشارك في المشروع كل من الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والهند وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية،

وستشكل المحطات جيلاً ثانياً من شبكة علوم الإنسان الآلي، لتحل محل الأجهزة التي تركها برنامج «أبولو»، لدراسة سطح القمر وداخله.

الأسر والانفلاق.. أهم نظريات النشأة

بالرغم من أن القمر كان أول الكواكب، التي حظيت باهتمام علمى خاص، ورحلات متعددة لدراسة سطحه وتربته، إلا أن العلم الحديث لم يتفق حتى اليوم على نظرية واحدة تفسر نشأته، ومن أهم هذه النظريات:

1- الأسر «Capture»

وهنا يقترح بعض العلماء أن القمرربما تشكل في مكان آخر، ربما حول كوكب آخر مثل الزهرة، ومن ثم أمسكت به الجاذبية الأرضية القوية، على غرار ماحصل على كواكب وأقمار أخرى، مثل قمري المريخ الصغيرين «فوبوس»، و«دايموس»، اللذين يعتقد أنهما مذنبان أسرتهما جاذبية المريخ، بمجرد اقترابهما من مداره، ولاتقدم هذه النظرية تفسيراً مقنعاً للتشابه الجيوكيميائي بين الأرض والقمر، حيث يحتوي الجسمان على نسب متطابقة تقريباً من نظائر الأكسجين، وهو مايوحي بأنهما تشكلا من المواد الأولية نفسها.

2- الانفلاق «Fission»

وطرحها العالم جورج داروين في القرن التاسع عشر، مشيراً إلى أن المواد التي تشكل منها القمر، قذفتها الأرض إلى الفضاء الخارجي، قبل مليارات السنوات، بسبب سرعة دورانها العالية في السنوات الأولى لنشأة النظام الشمسي.

وبالرغم من عدم اقتناع قطاع واسع من العلماء بنظرية الانفلاق، لعدم وجود دلائل علمية حاسمة، حول سرعة الأرض وقت نشأتها، إلا أن دراسة علمية نشرتها جامعة «تولوز» الفرنسية 2010، اقترحت أن انفجاراً نووياً ناتجاً عن التركيز العالي جداً للعناصر المشعة في باطن الأرض، ربما يكون مسؤولاً عن قذف صخور بحجم القمر إلى الفضاء وقت نشأة الأرض.

3- التشكل المشترك «co- formation»

وتقترح النظرية أن يكون القمر، تشكل بالقرب من الأرض قبل 4.5 مليار عام، حيث تكتل وأصبح كروي الشكل، بسبب تجمع الغاز والغبار في الجزء نفسه، من القرص الكوكبي الأول لنظامنا الشمسي، وتكتسب هذه النظرية قوتها من خلال تشابه النظائر بين الأرض والقمر، لكنه لايستطيع تفسير عدم امتلاك القمر نواة جديدة صغيرة، مقارنة بنواة كوكبنا.

4- الكويكبات المتصادمة «Colliding planetesimals»

وهنا يقترح العلماء أن القمر ازدادت كثافته، نتيجة الحطام الناتج من اصطدام كويكبات صغيرة، كانت هي اللبنات الأساسية، التي نمت، لتصبح كواكب كاملة، مثل المريخ والأرض، ببعضها البعض، بعد فترة قصيرة من تكون نظامنا الشمسي، ولا تقدم هذه النظرية تفسيراً للتشابه الجيوكيميائي بين القمر والأرض.

انتظر تفاعلكم

كل الشكر والامتنان على روعهـ بوحـكـ
..
وروعهـ مانــثرت .. وجماليهـ طرحكـ

دائما متميز في الانتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك

لكـ خالص احترامي